السبت، 20 فبراير 2016



حسين الخقر


الردة في الجزيرة العربية اثناء الخلافة اثناء الراشدة


  

 





الردة في الجزيرة العربية أثناء  الخلافة الراشدة


مستخلص البحث
موضوع البحث  الردة في الجزيرة العربية اثناء الخلافة الراشدة.
أهداف البحث : يهدف البحث الى  معرفة ماهي القبائل التي ارتدت وكيف تم القضاء عليها, وما موقف الخليفة والصحابة من المرتدين, وكيف تم التعامل مع حركات الردة في الجزيرة العربية .
منهج البحث : استخدم الباحث في هذا البحث المنهج الوصفي " بحيث يعتمد على وصف ظاهرة من الظواهر ومتغيراتها كما هي في الواقع للوصول الى وصفها وصفاً دقيقاً "
أهم النتائج :    ان من أهم النتائج التي توصل اليها الباحث أن الاسلام مر بمرحلة خطيرة جداً إذ تكالب عليه المرتدون وأرادوا القضاء عليه, وتوصل الباحث الى أن الله مَنَّ على هذه الامة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه, بموقفه الحازم والشجاع لقتال المرتدين, ومما توصل إليه الباحث أن قوة الامة بالسمع والطاعة لولي الامر, لذا عندما أطاع الصحابة أبي بكر في قتال المرتدين استطاعوا أن يقضوا على المرتدين في فترةٍ زمنيةٍ قصيرة جداً .
التوصيات والمقترحات :    يوصي الباحث بالقراءة في سير الصحابة, فقد بذلوا أنفسهم رخيصة من أجل هذا الدين, حتى وصل الينا كما أنزل, ومن قرأ في سيرهم يعرف أن ما تمر به الامة الاسلامية في هذه الايام من الاخطار يسير مقارنةً بما مرت به في تلك العصور.
وكذلك يوصي الباحث الجهات المعنية في التعليم بإدراج مثل هذه الاحداث في المناهج الدراسية , وانتقائها من المصادر الأصلية الصحيحة.
   يقترح الباحث إجراء دراسة حول الصحابة الذين ارتدوا ثم رجعوا الى الاسلام, وبيان ما آل اليه حالهم بعد الرجوع الى الاسلام.
المقدمة
     الحمد لله الذي يقول الحق وهو يهدي السبيل ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، جدد الله به رسالة السماء ، وأحيا ببعثته سنة الأنبياء ، ونشر بدعوته آيات الهداية ، وأتم به مكارم الأخلاق وعلى آله وأصحابه ، الذين فقههم الله في دينه ، فدعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، فهدى الله بهم العباد ، وفتح على أيديهم البلاد ، وجعلهم أمة يهدون بالحق إلى الحق تحقيقاً لسابق وعده .
     { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} 
       فشكروا ربهم على ما هداهم إليه من هداية خلقه والشفقة على عباده، وجعلوا مظهر شكرهم بذل النفس والنفيس في الدعوة إلى الله تعالى.
       وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم "والله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم"  .




هدف البحث:
  يهدف البحث الى تحقيق الهدف الرئيس التالي (  ماهي القبائل التي ارتدت وكيف تم القضاء عليها  ) ويتفرع منه الاهداف التالية :
-       بيان موقف الخليفة والصحابة من المرتدين .
-       الالمام بأبرز أماكن الردة .
-       معرفة كيف تم القضاء على حركات الردة .

اهمية البحث: 
تكمن أهمية البحث في ان الخلافة  الراشدة هي اول دولة اسلامية بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا بد من معرفة ماهي أهم الاخطار التي واجهتها هذه الخلافة من ردةٍ ونكوص عن الدين وكيف تم التعامل معها, وكذلك أن الردة خروج عن الدين , ومعصية لرب العالمين, فكان من الواجب دراسة هذه القضية, لكي لا تقع المجتمعات الاسلامية فيما وقع فيه الاوائل من الردة, سوأً بقصد أو بدون قصد .

منهج البحث:
 استخدم الباحث في هذا البحث المنهج الوصفي " بحيث يعتمد على وصف ظاهرة من الظواهر ومتغيراتها كما هي في الواقع للوصول الى وصفها وصفاً دقيقاً "


حدود البحث :
     الحدود الموضوعية :  سيتناول الباحث موضوع الردة من حيث النشأة وموقف الخليفة والصحابة من قتال المرتدين, وبعض الشخصيات التي ارتدت وكيف تم القضاء عليها.

      الحدود المكانية :  اقتصر الباحث على تناول أبرز الأماكن التي ارتدت عن الاسلام.

      الحدود الزماني :  سيتناول الباحث قضية الردة في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه .











خطة البحث
الفصل الاول :   الردة وابرز أماكن المرتدين في الجزيرة العربية
         المبحث الاول : مفهوم الردة وموقف الصحابة منها
                        المطلب الاول : تعريف الردة لغة واصطلاحاً
                        المطلب الثاني :  نشأة الردة وموقف الصحابة من قتال المرتدين
        المبحث الثاني : ابرز الاماكن التي ارتدت في الجزيرة العربية
                        المطلب الاول :   بنو اسد  وغطفان
                        المطلب الثاني:   اليمامة

الفصل الثاني : قتال أهل الردة:
       المبحث الاول : خروج ابي بكر الى القصة وارسال الجيوش
       المبحث الثاني : وصية ابي بكر في القصة
                        المطلب الاول :وصية ابي بكر الى الامصار
                        المطلب الثاني :  وصية ابي بكر الى قواد الجيوش
     




 المبحث الثالث : القضاء على حركات الردة:
                        المطلب الاول : القضاء على ردة الاسود العنسي باليمن
                        المطلب الثاني: القضاء على ردة طليحة الاسدي
                        المطلب الثالث :القضاء على ردة بنو تميم
                        المطلب الرابع: القضاء على ردة مسيلمة
                      المطلب الخامس: القضاء على الردة في البحرين
                        المطلب السادس : القضاء على الردة في عمان ومهره







الفصل الاول
الردة وابرز أماكن المرتدين في الجزيرة العربية
المبحث الاول : مفهوم الردة وموقف الصحابة منها
     بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ارتدَ كثيرٌ من العرب فمنهم من ارتدَ وادعى النبوة ومنهم من ارتدَ ومنع الزكاة, واختلف موقف الصحابة من المرتدين, فمنهم من قال يقاتلوا ومنهم من قال لا يقاتل مانعي الزكاة , لذلك سيتناول الباحث مفهوم الردة ومن ثم يبين موقف الصحابة منها .
 المطلب الاول : تعريف الردة في اللغة والاصطلاح
      لقد اهتم بعض أهل العلم بمفهوم الردة وذكروا لها تعاريف عدة وحسب الباحث ان يذكر لها تعريفين في اللغة وتعريف في الاصطلاح الشرعي عند أهل العلم .
  اولاً : تعريف الردة لغةً :  عرف بعض أهل اللغة الردة بقوله  " الردة هي الرجوع عن الشيء ومنه الردة عن الإسلام. " 
 وعرف الفارابي في "مختار الصحاح" الردة بقوله
ردده ترديدا وتردادا فتردد. ورجل مردد: حائر بائر. والارتداد: الرجوع، ومنه المرتد. 
واذا نظرنا الى تعريف الردة في لغة العرب بانها الرجوع والارتداد نجد انها موافقة للتعريف الاصطلاحي لمعنى الردة وهو الرجوع عن الاسلام .


 تعريف الردة اصطلاحاً :
   للردة تعاريف في الاصطلاح كثيرة ولكن من أحسن وأجمل التعاريف الجامعة لهذا المعنى هو تعريف الامام ابو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النوويّ (الشافعيّ) . ت:676هـ
قال ان الردة :
    "هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها" 
فكان التعريف شاملاً مانعاً لكل ما يخرج الانسان من الاسلام وبين ماهي الامور التي لا يكون فيها جاهلاً .
    وبهذا التعريف الذي اختاره الباحث في موضوع الردة عن الاسلام للإمام النووي رحمه الله سيتناول الباحث نشأة الردة وموقف الصحابة منها .





المطلب الثاني: نشأة الردة وموقف الصحابة من قتال المرتدين
       إنه لما استقام الأمر لأبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وبايعه الناس، فقام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس، إنني قد وليتكم  عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، ألا إن الصدق أمانة، والكذب خيانة، ألا وإن الضعيف عندي قوي حتى آخذ له الحق، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق، ألا وإنه لم يترك قوم الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا ضربهم الله بالذل، ولم تشع الفاحشة في قوم إلا وعمهم الله بالبلاء، فأطيعوني ما أطعت الله، وإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم
  ثم نزل عن المنبر وصلى بالناس، ودخل منزله، فلم يلبث أياما قلائل حتى ارتدت العرب على أعقابها كفارا، فمنهم من ارتد وادعى النبوة، ومنهم من ارتد ومنع الزكاة, فارتدت بنو أسد , وارتدت فزارة، وارتدت بنو عامر وغطفان، وارتدت بنو سليم، وارتدت طائفة من بني تميم , وارتدت طائفة من كندة، وارتدت بنو بكر بن وائل بأرض البحرين،  واجتمعت بنو حنيفة إلى مسيلمة الكذاب بأرض اليمامة، فقلدوه أمرهم وادعى أنه نبيهم .
      ولما بلغ خبر المرتدين أبا بكر، اغتم لذلك ، فبادر إلى المسجد فنادى في العرب، فقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنما أنا رجل منكم أغني ما تغنون، وأحامي كما تحامون، وأنتم شركائي في هذا الأمر، فهاتوا ما عندكم من الرأي، فقام إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إن العرب قد ارتدت على أعقابها كفارا كما قد علمت، وأنت تريد أن تنفذ جيش أسامة بن زيد، وفي جيش أسامة جماهير العرب وأبطالهم، فلو حبسته عندك لقويت به على من ارتدت من هؤلاء العرب، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لو علمت أن السباع تأكلني في هذه المدينة لأنفذت جيش أسامة بن زيد, ثم تلى قوله تعالى" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"  ، وأما من ارتدت من هؤلاء العرب، فمنهم من لا يصلي وقد كفر بالصلاة، ومنهم من يصلي وقد منع الزكاة، ولا والله يا أبا حفص ما أفرق بين الصلاة والزكاة لأنهما مقرونتان, فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، فلو أغمضت وتجافيت عن زكاة هؤلاء العرب في عامك هذا ورفقت بهم، لرجوت أن يرجعوا عن ما هم عليه، فقد علمت أن النبي صلى الله عليه   وسلم كان يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله "   

فقال أبو بكر رضي الله عنه والله لو منعوني من الزكاة عقالا مما كان يأخذ منهم النبي صلى الله عليه  وسلم لقاتلتهم عليه أبداً ما حييت، ثم لنحاربنهم أبداً حتى ينجز الله وعده ويفي لنا عهده، فإنه تعالى " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"    

فقال عمر: يا خليفة رسول الله، إنما قد شرح الله صدرك لقتال القوم، فسمع وطاعة. 






المبحث الثاني : ابرز الاماكن التي ارتدت في الجزيرة العربية
      ارتدت الجزيرة العربية بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عدا مكة والمدينة والطائف وقرية هجر بالبحرين ولكن سيذكر الباحث بعض الاماكن البارزة التي حصل فيها الردة وادعى سادتها النبوة وسيشرع الباحث ببنو اسد وغطفان قوم طليحة الاسدي  .
المطلب الاول :   بنو اسد وغطفان ( ردة طليحة الاسدي ) 
      طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة قد تنبأ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجه إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد، وأمرهم بالقيام على من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف، فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه, ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على ذلك، فكان طليحة يقول: إن جبرائيل يأتيني، وسجع للناس الأكاذيب ، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن الله لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم - شيئا، اذكروا الله أعفة قياما, إلى غير ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيئ, ... فسارت فرقة منهم إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه, وجعل أبو بكر بعد مسيرة الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذي حسى؛ ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسى، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها، ورجعت بهم إلى المدينة، ولم يصرع مسلم
وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليها، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج على تعبية يمشي, فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار، وغلبوهم على عامة ظهرهم، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا.  








       المطلب الثاني:   اليمامة
        ارتد مسيلمة  في بني حنيفة باليمامة وكان سيداً في قومه وادعى النبوة واطاعه قومه      
"وكان مع مسيلمة نهار الرجال بن عنفوة  ، وكان قد هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلما لأهل اليمامة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذن له عبد الله بن النواحة ، والذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله, فقال له مسيلمة أفصح حجير، فليس في المجمجة خير, وهو أول من قالها. 

    وكان مما جاء به وذكر أنه وحي "يا ضفدع بنت ضفدع، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء، وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين. وقال أيضا: والمبديات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي فأووه، والباغي فناوئوه 
    وأتته امرأة  فقالت: إن نخلنا لسحيق، وإن آبارنا لجرز، فادع الله لمائنا ونخلنا كما دعا محمد - صلى الله عليه وسلم - لأهل هزمان.
 فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار، ففاضت ماء، وأنجبت كل نخلة، وأطلعت فسيلا قصيرا مكمما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنما ظهر ذلك بعد مهلكه,


وقال له نهار: أمر يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمد، ففعل وأمر يده على رءوسهم وحنكهم، فقرع كل صبي مسح رأسه، ولثغ كل صبي حنكه، وإنما استبان ذلك بعد مهلكه, وقيل: جاءه طلحة النمري فسأله عن حاله، فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنك الكاذب، وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب ألينا من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا .











الفصل الثاني : قتال أهل الردة
المبحث الاول : خروج ابي بكر الى القصة وارسال الجيوش
     عن الزهري قال خرج أبو بكر إلى ذي القصة لعشر خلون من جمادى الأولى بعد قدوم أسامة بن زيد فنزلها وهو على بريدين من المدينة من ناحية طريق العراق واستخلف على المدينة سنان الضمري وعلى حرس أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود ..... وعن علي بن محمد عن مسلمة عن داود عن عامر وأبي معشر عن يزيد بن رومان أن أبا بكر خرج إلى ذي القصة وهم بالمسير بنفسه فقال له المسلمون إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئا ولا ندري لم تقصد فأمر رجلا تأمنه وتثق به وارجع إلى المدينة فإنك تركتها تغلي بالنفاق.

       وذكر بن كثير رحمه الله  " لما رجع جيش أسامة واستراحوا، ركب الصديق في الجيوش الإسلامية شاهرا سيفه مسلولا، من المدينة إلى ذي القصة، وهي من المدينة على مرحلة، وعلي بن أبي طالب يقود براحلة الصديق، رضي الله عنهما، فسأله الصحابة، منهم علي وغيره، وألحوا عليه أن يرجع إلى المدينة، وأن يبعث لقتال الأعراب غيره ممن يؤمره من الشجعان الأبطال، فأجابهم إلى ذلك، وعقد لهم الألوية الأحد عشر لأحد عشر أميرا , عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، ولعكرمة بن أبي جهل، وأمره بمسيلمة، وبعث شرحبيل ابن حسنة في أثره إلى مسيلمة الكذاب، ثم إلى بني قضاعة وللمهاجر بن أبي أمية، وأمره بجنود العنسي، ومعونة الأبناء , ولخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام, ولعمرو بن العاص إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث, ولحذيفة بن محصن الغطفاني، وأمره بأهل دبا, ولعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة, ولطريفة بن حاجز، وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن, ولسويد بن مقرن، وأمره بتهامة اليمن, وللعلاء بن الحضرمي، وأمره بالبحرين رضي الله عنهم. 


فعقد ابو بكر الجيوش وأمر عليهم الامراء ورجع الى المدينة.













المبحث الثاني : كتاب ابي بكر في القصة
     عندما وصل أبي بكر الصديق رضي الله عنه الى القصة جعل على كل مجموعة من الجيش أميراً, وكلفه بقتال أحد المرتدين وكتب له كتاباً الى القوم الذي هو خارج اليهم , وعهد له عهداً كما سيبينه الباحث فيما يلي :
المطلب الاول :كتاب ابي بكر الى الامصار
     وقد كتب لكل أمير كتاب عهده على حدته، ففصل كل أمير بجنده من ذي القصة، ورجع الصديق إلى المدينة، وقد كتب معهم الصديق كتابا إلى المرتدة، وهذه نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه، سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والهوى، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، نقر بما جاء به، ونكفر من أبى ذلك ونجاهده، أما بعد، فإن الله أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدبر عنه، حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك، ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فقال: " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ "  وقال تعالى " وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ "
وقال للمؤمنين: " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " 
 فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه، وإني أوصيكم بتقوى الله، وحظكم ونصيبكم من الله، وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول، ومن هداه الله كان مهتديا، ومن أضله كان ضالا، قال الله تعالى " مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا " 
ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتى يقر به، ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام، وعمل به ; اغترارا بالله وجهلا بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا " 
 وقال تعالى " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ " 
 وإني بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقبل من أحد إلا الإيمان بالله، ولا يقتله حتى يدعوه إلى الله، عز وجل، فإن أجاب وأقر وعمل صالحا، قبل منه وأعانه عليه، وإن أبى، حاربه عليه حتى يفيء إلى أمر الله، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار وأن يقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد غير الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابه في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا عاجلوهم، وإن أذنوا فسلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم. 













المطلب الثاني :  عهد ابي بكر الى قواد الجيوش
فنفذت الرسل بالكتب أمام الجنود، وخرجت الأمراء ومعهم العهود:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام، وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله سره وعلانيته، وأمره بالجد في أمر الله، ومجاهدة من تولى عنه، ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام، فإن أجابوه أمسك عنهم، وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم، حتى يقروا له، ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم، فيأخذ ما عليهم، ويعطيهم الذي لهم، لا ينظرهم، ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقر له قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله، فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل، وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به، ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان، وحيث بلغ مراغمة، لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام، فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه، ومن أبى قاتله، فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران، ثم قسم ما أفاء الله عليه، إلا الخمس فإنه يبلغناه، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وألا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم، لا يكونوا عيونا، ولئلا يؤتى المسلمون من قبلهم، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم، ولا يعجل بعضهم عن بعض، ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول. 


 المبحث الثالث : القضاء على حركات الردة:
      بعد أن عزم الخليفة الراشد أبي بكر الصديق على قتال من أردت من المسلمين, وزع الجيوش وجعل عليها أمراء , وأمرهم أن يقاتلوا من لم يرجع عن ردته الى الاسلام .

المطلب الاول: القضاء على ردة الاسود العنسي باليمن

كان الأسود العنسي لما عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع، وتمرض من السفر غير مرض موته بلغه ذلك، فادعى النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعته مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغزا نجران... وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء، وخرج إليه شهر بن باذان فلقيه، فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود، واستتب للأسود ملك اليمن.
واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن، وعامله المسلمون الذين هناك بالتقية، وكان خليفته على مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر الجند إلى قيس بن عبد يغوث، وأسند أمر الأبناء إلى فيروز الديلمي وداذويه، وتزوج امرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز الديلمي، واسمها آزاذ، وكانت امرأة حسناء جميلة، وهي مع ذلك مؤمنة بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات. 
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه حين بلغه خبر الأسود العنسي , يأمر المسلمين الذين هناك بمقاتله  ومصاولته، وقام معاذ بن جبل بهذا الكتاب أتم القيام ، وكان قد تزوج امرأة من السكون, فحدبت عليه السكون , لصهره فيهم، وقاموا معه في ذلك، وبلغوا هذا الكتاب إلى عمال النبي صلى الله عليه وسلم ومن قدروا عليه من الناس، واتفق اجتماعهم بقيس بن عبد يغوث أمير الجند، وكان قد تغضب عليه الأسود واستخف به، وهم بقتله، وكذلك كان أمر فيروز الديلمي قد ضعف عنده أيضا، وكذا داوذيه .....قال قيس فدخلت على امرأته آزاذ، فقلت يا ابنة عمي، قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك، قتل زوجك، وطأطأ في قومك القتل، وفضح النساء، فهل عندك ممالأة عليه ؟ قالت على أي أمره ؟ قلت إخراجه. قالت أو قتله ؟ قلت أو قتله قالت نعم، والله ما خلق الله شخصا هو أبغض إلي منه، فما يقوم لله على حق، ولا ينتهي له عن حرمة، فإذا عزمتم فأعلموني أخبركم بما في هذا الأمر. 
قال الديلمي فأرسلنا إلى قيس فجاءنا، فاجتمعنا على أن أعود إلى المرأة فأخبرها بعزيمتنا ونأخذ رأيها، فأتيتها فأخبرتها، فقالت: هو متحرز، وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت، فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا، فإذا أمسيتم فانقبوا عليه، فإنكم من دون الحرس، وليس دون قتله شيء، وستجدون فيه سراجا وسلاحا, فتلقاني الأسود خارجا من بعض منازله فقال ما أدخلك علي؟ ووجأ رأسي حتى سقطت، وكان شديدا، فصاحت المرأة فأدهشته، وقالت جاءني ابن عمي زائرا ففعلت به هذا ؟ فتركني، فأتيت أصحابي فقلت النجاء! الهرب! وأخبرتهم الخبر, فإنا على ذلك حيارى إذ جاءنا رسولها يقول لا تدعن ما فارقتك عليه، فلم أزل به حتى اطمأن, فقلنا لفيروز  إيتها فتثبت منها ففعل، فلما أخبرته قال: ننقب على بيوت مبطنة، فدخل فاقتلع البطانة، وجلس عندها كالزائر، فدخل عليها الأسود فأخذته غيرة، فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فأخرجه  فلما أمسينا عملنا في أمرنا، وأعلمنا أشياعنا، وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت ودخلنا، وفيه سراج تحت جفنة، واتقينا بفيروز، كان أشدنا، فقلنا  انظر ماذا ترى، فخرج ونحن بينه وبين الحرس، فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا، والمرأة قاعدة، فلما قام على باب البيت أجلسه الشيطان وتكلم على لسانه، وقال  ما لي ولك يا فيروز فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه، ووضع ركبته في ظهره فدقه، ثم قام ليخرج، فأخذت المرأة بثوبه وهي ترى أنه لم يقتله فقال قد قتلته وأرحتك منه، وخرج فأخبرنا، فدخلنا معه، فخار كما يخور الثور، فقطعت رأسه بالشفرة، وابتدر الحرس المقصورة يقولون ما هذا, فقالت المرأة  النبي يوحى إليه فخمدوا، وقعدنا نأتمر بيننا، فيروز وداذويه وقيس، كيف نخبر أشياعنا، فاجتمعنا على النداء، فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الذي بيننا وبين أصحابنا، ففزع المسلمون والكافرون، ثم نادينا بشعارنا بالأذان فقلت أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عيهلة كذاب, وألقينا إليهم رأسه، وأحاط بنا أصحابه وحرسه، وشنوا الغارة، وأخذوا صبيانا كثيرة وانتهبوا, فنادينا أهل صنعاء من عنده منهم فأمسكه، ففعلوا, فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلا، فراسلونا، وراسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم، ونترك ما في أيدينا، ففعلنا، ولم يظفروا منا بشيء، وترددوا فيما بين صنعاء ونجران وتراجع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أعمالهم، وكان يصلي بنا معاذ بن جبل، وكتبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبره، وذلك في حياته.






المطلب الثاني : القضاء على ردة طليحة الاسدي
       بعد ان خرج ابو بكر الى القصة وعقد الجيوش وامّر عليها من يراه مناسباً من الصحابة   "عقد لخالد بن الوليد على الناس وأمّر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس وعليهم جميعا خالد وأمره أن يصمد لطليحة وأظهر أبو بكر مكيدة فقال لخالد إني موافيك بمكان كذا وكذا , وسار خالد من ذي القصة في ألفين وسبع مائة إلى الثلاثة آلاف يريد طليحة ووجه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم بن ثعلبة الأنصاري فانتهوا إلى قطن
فصادفوا بها حبالا متوجها إلى طليحة بثقله فقتلا حبالا وأخذا ما معه فخرج طليحة وسلمة ابنا خويلد فلقيا عكاشة وثابتا فقتلا عكاشة وثابتا وسار خالد إلى بزاخة فلقي ومعه عيينة بن حصن الفزاري  وقرة بن هبيرة القشيري فاقتتلوا قتالا شديدا وهزم الله طليحة وهرب إلى الشام وأسر عيينة وقرة بن هبيرة فبعث بهما خالد إلى أبي بكر فحقن دماءهما وتفرق الناس عن بزاخة فأتى ناس غمر مرزوق فسار إليهم خالد فقتل منهم ناسا كثيرا وانهزم الآخرون بعد قتال شديد ...وقد قاتل عيينة مع طليحة في سبع مائة من بني فزارة فانهزم الناس وهرب طليحة إلى الشام وانفض جمعه . 
 قال بن كثير "ثم سار خالد، والتقى مع طليحة الأسدي بمكان يقال له بزاخة  ووقفت أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانضاف إليهم، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه بني فزارة، واصطف الناس، وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم، ينظر ما يوحى إليه فيما يزعم، وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل، حتى إذا ضجر من القتال يجيء إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول أجاءك جبريل, فيقول, لا, فيرجع فيقاتل، ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه مثل ذلك، فلما كان في الثالثة قال له هل جاءك جبريل؟ قال نعم قال فما قال لك؟ قال: قال لي إن لك رحا كرحاه، وحديثا لا تنساه قال: يقول عيينة أظن أن قد علم الله سيكون لك حديث لا تنساه, ثم قال يا بني فزارة، انصرفوا. وانهزم، وانهزم الناس عن طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس كان قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلى الشام وتفرق جمعه،  وقد كان طليحة الأسدي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بمؤازرته عيينة بن حصن بن بدر، وارتد عن الإسلام، وقال لقومه والله لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من بني هاشم، وقد مات محمد، وهذا طليحة فاتبعوه فوافقه قومه بنو فزارة على ذلك، فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلى الشام، فنزل على بني كلب، وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلى المدينة مجموعة يداه إلى عنقه، فدخل المدينة وهو كذلك، فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون أي عدو الله، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول والله ما كنت آمنت قط فلما وقف بين يدي الصديق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وكذلك من على قرة بن هبيرة، وكان أحد الأمراء مع طليحة، فأسره مع عيينة، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلى مكة معتمرا أيام الصديق واستحيا أن يواجهه مدة حياته وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلى خالد أن استشره في الحرب ولا تؤمره، يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرياسة في الباطل. وهذا من فقه الصديق، رضي الله عنه. 
  وقيل انه تاب في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .والله اعلم



المطلب الثالث : القضاء على ردة بنو تميم
    كانت بنو تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة, فمنهم من ارتد ومنع الزكاة، ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى الصديق، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التغلبية، وهي من نصارى العرب، وقد ادعت النبوة،    ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم، وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي، وجماعة من سادات أمراء بني تميم، وتخلف آخرون منهم عنها.  
خبر مالك بن نويره 
      كان قد صانع سجاح حين قدمت من أرض الجزيرة، فلما اتصلت بمسيلمة لعنه الله، ثم ترحلت إلى بلادها، فلما كان ذلك ندم مالك بن نويرة على ما كان من أمره، وتلوم في شأنه، وهو نازل بمكان يقال له البطاح, فقصدها خالد بجنوده وتأخرت عنه الأنصار، وقالوا إنا قد قضينا ما أمرنا به الصديق, فقال لهم خالد  إن هذا أمر لا بد من فعله، وفرصة لا بد من انتهازها وإن لم يأتني فيها كتاب، وأنا الأمير وإلي ترد الأخبار، ولست بالذي أجبركم على المسير، وأنا قاصد البطاح, فسار يومين، ثم لحقه رسول الأنصار يطلبون منه الانتظار، فلحقوا به، فلما وصل البطاح وعليها مالك بن نويرة، فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة، وبذلوا الزكوات، إلا ما كان من مالك بن نويرة، فإنه متحير في أمره، متنح عن الناس، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه، واختلفت السرية فيهم، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا,  فيقال, إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة باردة شديدة البرد، فنادى منادي خالد أن دافئوا أسراكم, فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع خالد الواعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال, إذا أراد الله أمرا أصابه, واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة، وهي أم تميم ابنة المنهال، وكانت جميلة، فلما حلت بنى بها, ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟
فقال مالك إن صاحبكم كان يزعم ذلك, فقال أهو صاحبنا وليس بصاحبك ! يا ضرار، اضرب عنقه, فضرب عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين، وطبخ على الثلاثة قدرا، فأكل منها خالد تلك الليلة ليرهب بذلك الأعراب من المرتدة وغيرهم .











المطلب الرابع: القضاء على ردة مسيلمة

      لما رضي الصديق عن خالد بن الوليد وعذره ( لقتله مالك بن نويرة )بما اعتذر به، بعثه إلى قتال بني حنيفة باليمامة، وأوعب معه المسلمون، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم، وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدا بسرية ; لتكون ردءا له من ورائه، وقد كان بعث قبله إلى مسيلمة عكرمة بن أبي جهل، وشرحبيل ابن حسنة، فلم يقاوما بني حنيفة ; لأنهم في نحو من أربعين ألفا من المقاتلة، فعجل عكرمة قبل مجيء صاحبه شرحبيل، فناجزهم فنكب، فانتظر خالدا، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد، عسكر بمكان يقال له: عقرباء. في طرف اليمامة، والريف وراء ظهورهم، وندب له الناس وحثهم، فحشد له أهل اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشه المحكم بن الطفيل، والرجال بن عنفوة بن نهشل .
وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة, فضرب به عسكره، وراية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار، فكانت للمسلمين جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد، وهموا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة، وقال نعمت الحرة هذه, وقد قتل الرجال بن عنفوة، لعنه الله، في هذه الجولة، قتله زيد بن الخطاب.
ثم زحف إليهم المسلمون حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها عدو الله مسيلمة فقال البراء يا معشر المسلمين ألقوني عليهم فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم على الحديقة حتى فتحها للمسلمين فقتل الله مسيلمة .... عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال حدثنا وحشي قال لما خرج الناس إلى مسيلمة خرجت معهم وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما في يده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت فيه وضربه الأنصاري بالسيف فربك أعلم أينا قتله فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلت شر الناس ويقال قتله عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب من بني مازن بن النجار فالله أعلم . 
فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل , وقيل أحد وعشرون ألفا , وقتل من المسلمين ستمائة , وقيل خمسمائة , فالله أعلم, وفيهم من سادات الصحابة، وأعيان الناس  ,... ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي، ثم عزم على غزو الحصون، ولم يكن بقي فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ الكبار... ودعاهم خالد إلى الإسلام، فأسلموا عن آخرهم ورجعوا إلى الحق، ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي، وساق الباقين إلى الصديق، وقد تسرى علي بن أبي طالب بجارية منهم، وهي أم ابنه محمد الذي يقال له: محمد ابن الحنفية ... وقد قال خليفة بن خياط ومحمد بن جرير وخلق من السلف كانت وقعة اليمامة في سنة إحدى عشرة, وقال ابن قانع في آخرها,  وقال الواقدي وآخرون كانت في سنة ثنتي عشرة,  والجمع بينها أن ابتداءها في سنة إحدى عشرة، والفراغ منها في سنة ثنتي عشرة.  والله أعلم 





المطلب الخامس: القضاء على ردة أهل البحرين
       فلما فرغ خالد بن الوليد من أمر اليمامة وبني حنيفة وقتل مسيلمة، أقام بأرض اليمامة ينظر أمر أبي بكر رضي الله عنه، وعزم أبو بكر أن يوجه بجيش من المسلمين إلى محاربة أهل البحرين، وكان من سبب أهل البحرين وارتدادهم عن دين الإسلام، أن نفرا من بكر بن وائل كانوا يعادون قبائل عبد القيس، وعبد القيس يومئذ بالبحرين متمسكون بدين الإسلام، لم يرتدوا مع من ارتد، وجعل هؤلاء الذين ارتدوا من بكر بن وائل يقول بعضهم لبعض, تعالوا حتى نرد الملك في دار النعمان ابن المنذر ، فإنه أحق بهذا الأمر من ابن أبي قحافة . 
 وقال قائلهم لو كان محمد نبيا ما مات ولم يبق بها بلدة على الثبات سوى قرية يقال لها جواثى كانت أول قرية أقامت الجمعة من أهل الردة، كما ثبت ذلك في البخاري عن ابن عباس وقد حاصرهم المرتدون وضيقوا عليهم، حتى منعوا من الأقوات وجاعوا جوعا شديدا حتى فرج الله عنهم....وبعث الصديق، رضي الله عنه،  إليهم العلاء بن الحضرمي،
فلما دنا من البحرين، جاء إليه ثمامة بن أثال في جحفل كثير، وجاء كل أمراء تلك النواحي، فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرمي، فأكرمهم العلاء وترحب بهم وأحسن إليهم, وقد كان العلاء من سادات الصحابة العلماء العباد مجابي الدعوة .
      فلما اقترب من جيوش المرتدة - وقد حشدوا وجمعوا خلقا عظيما - نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتا عالية في جيش المرتدين، فقال من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء, فقام عبد الله بن حذف، فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشراب، فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فوره هو والجيش معه، فكبسوا أولئك فقتلوهم قتلا عظيما، وقل من هرب منهم، واستولى على جميع أموالهم وحواصلهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة جسيمة .
  ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين، يقتلونهم بكل مرصد وطريق، وذهب من فر منهم أو أكثرهم في البحر إلى دارين، ركبوا إليها السفن، ثم شرع العلاء بن الحضرمي في قسم الغنيمة ونفل الأنفال، وفرغ من ذلك وقال للمسلمين اذهبوا بنا إلى دارين  لنغزو من بها من الأعداء، فأجابوا إلى ذلك سريعا، فسار بهم حتى أتى ساحل البحر  ليركبوا في السفن،  فرأى أن الشقة بعيدة، لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله، فاقتحم البحر بفرسه، وهو يقول" يا أرحم الراحمين، يا حليم يا كريم، يا أحد يا صمد، يا حي يا محيي الموتى، يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربنا"  وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا، ففعلوا ذلك فأجاز بهم الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة دمثة، فوقها ماء لا يغمر أخفاف الإبل، ولا يصل إلى ركب الخيل، ومسيرته للسفن يوم وليلة، فقطعه إلى الساحل الآخر، فقاتل عدوه وقهرهم، واحتاز غنائمهم، ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر، فعاد إلى موضعه الأول، وذلك كله في يوم، ولم يترك من العدو مخبرا، واستاق الذراري والأنعام والأموال، ولم يفقد المسلمون في البحر شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين، ومع هذا رجع العلاء فجاءه بها، ثم قسم غنائم المسلمين فيهم، فأصاب الفارس ألفين والراجل ألفا، مع كثرة الجيش، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك، فبعث الصديق يشكره على ما صنع، وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر، وهو عفيف بن المنذر
ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل







المطلب السادس : القضاء على ردة أهل عمان ومهره
أما أهل عمان فنبغ فيهم رجل يقال له ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، فادعى النبوة أيضا، وتابعه الجهلة من أهل عمان، فتغلب عليها وقهر جيفرا وعبادا، وألجأهما إلى أطرافها، من نواحي الجبال والبحر، فبعث جيفر إلى الصديق، فأخبره الخبر واستجاشه، فبعث إليه الصديق بأميرين، وهما حذيفة بن محصن الحميري، وعرفجة البارقي من الأزد ; حذيفة إلى عمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا, ويبتدئا بعمان، وحذيفة هو الأمير، فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير, .....   فسار عكرمة لما أمره به الصديق، فلحق حذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عمان، وقد كتب إليهما الصديق أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من السير من عمان أو المقام بها، فساروا، فلما اقتربوا من عمان راسلوا جيفرا وعبادا، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش، فخرج في جموعه فعسكر بمكان يقال له دبا, وهي مصر تلك البلاد وسوقها العظمى، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم, ليكون أقوى لحربهم، واجتمع جيفر وعباد بمكان يقال له صحار, فعسكرا به وبعثا إلى أمراء الصديق، فقدموا على المسلمين، فتقابل الجيشان هنالك، وتقاتلوا قتالا شديدا، وابتلي المسلمون وكادوا أن يولوا، فمن الله بكرمه ولطفه ; أن بعث إليهم مددا في الساعة الراهنة من بني ناجية وعبد القيس، في جماعة من الأمراء، فلما وصلوا إليهم كان الفتح والنصر، فولى المشركون مدبرين، وركب المسلمون ظهورهم، فقتلوا منهم عشرة آلاف مقاتل وسبوا الذراري، وأخذوا الأموال والسوق بحذافيرها، وبعثوا بالخمس إلى الصديق، رضي الله عنه، مع أحد الأمراء، وهو عرفجة، ثم رجع إلى أصحابه.






القضاء على ردة أهل مهرة،
فإنهم لما فرغوا من عمان كما ذكرنا، سار عكرمة بالناس إلى بلاد مهرة، بمن معه من الجيوش، ومن أضيف إليها حتى اقتحم على مهرة بلادها، فوجدهم جندين ; على أحدهما - وهم الأكثر - أمير يقال له المصبح أحد بني محارب، وعلى الجند الآخر أمير يقال له شخريت,    وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريت، فأجابه وانضاف إلى عكرمة، فقوي بذلك المسلمون، وضعف جأش المصبح، فبعث إليه عكرمة يدعوه إلى الله وإلى السمع والطاعة، فاغتر بكثرة من معه ومخالفة لشخريت، فتمادى في طغيانه، فسار إليه عكرمة بمن معه من الجنود، فاقتتلوا مع المصبح أشد من قتال دبا المتقدم، ثم فتح الله بالنصر والظفر، ففر المشركون وقتل المصبح وقتل خلق كثير من قومه، وغنم المسلمون أموالهم، فكان في جملة ما غنموا ألفا نجيبة، فخمس عكرمة ذلك كله، وبعث بخمسه إلى الصديق مع شخريت، وأخبره بما فتح الله عليه .












الخاتمة
الخاتمة وتشتمل على اهم النتائج , والتوصيات والمقترحات , والمصادر والمراجع .
اهم نتائج البحث:
    ان من أهم النتائج التي توصل اليها الباحث أن الاسلام مر بمرحلة خطيرة جداً إذ تكالب عليه المرتدون وأرادوا القضاء عليه .
وتوصل الباحث الى أن الله مَنَّ على هذه الامة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه , بموقفه الحازم والشجاع لقتال المرتدين ,
     مما توصل إليه الباحث أن قوة الامة بالسمع والطاعة لولي الامر, لذا عندما أطاع الصحابة أبي بكر في قتال المرتدين استطاعوا أن يقضوا على المرتدين في فترةٍ زمنيةٍ قصيرة جداً.
توصيات البحث:
    يوصي الباحث بالقراءة في سير الصحابة, فقد بذلوا أنفسهم رخيصة من أجل هذا الدين, حتى وصل الينا كما أنزل, ومن قرأ في سيرهم يعرف أن ما تمر به الامة الاسلامية في هذه الايام من الاخطار يسير مقارنةً بما مرت به في تلك العصور .
وكذلك يوصي الباحث الجهات المعنية في التعليم بإدراج مثل هذه الاحداث في المناهج الدراسية , وانتقائها من المصادر الأصلية الصحيحة.
مقترحات البحث:
   يقترح الباحث إجراء دراسة حول الصحابة الذين ارتدوا ثم رجعوا الى الاسلام, وبيان ما آل اليه حالهم بعد الرجوع الى الاسلام .

       وختاماً:   فهذا ما يسر الله جمعه وترتيبه وتحليله , في هذا البحث , الذي سماه الباحث (الردة في الجزيرة العربية أثناء  الخلافة الراشدة),  فما كان فيه من صواب فهو من فضل الله, فله الحمد حتى يرضى، وله الحمد عند الرضى، وله الحمد بعد الرضى، وما كان فيه من خطأ فأستغفر الله تعالى وأتوب إليه، والله ورسوله بريء منه, وأدعو الله تعالى أن ينفع بهذا البحث كل من قرأه او نشره من إخواني المسلمين، وأرجوا أن يذكرني من يقرأه في دعائه، فإن دعوة الأخ لأخية في ظهر الغيب مستجابة إن شاء الله تعالى وأختم هذا البحث بقول الله تعالى "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ".


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .







المصادر والمراجع

1-             القرآن الكريم .
2-             الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه" صحيح البخاري", المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي, المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر, الناشر: دار طوق النجاة,  الطبعة: الأولى، 1422هـ .
3-             الإصابة في تمييز الصحابة ,المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ) ,تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض , الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت , الطبعة: الأولى - 1415 هـ   .
4-             الأعلام للزركلي, المؤلف: خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي, (المتوفى: 1396هـ),الناشر: دار العلم للملايين, الطبعة: الخامسة عشر  2002 م.
5-             البداية والنهاية, المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ), تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي, الناشر: دار هجر للطباعة والنشر, الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م, سنة النشر: 1424هـ   .
6-             الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنى بن حارثة الشيباني, المؤلف: محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، أبو عبد الله، الواقدي (المتوفى: 207هـ) , تحقيق : يحيى الجبوري, الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت, الطبعة: الأولى، 1410 هـ .
7-             الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية , المؤلف: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: 393هـ), تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار, الناشر: دار العلم للملايين – بيروت, الطبعة: الرابعة 1407 هـ‍.
8-             الكامل في التاريخ , المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ), تحقيق: عمر عبد السلام تدمري, الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان, الطبعة: الأولى، 1417هـ .
9-               المؤتَلِف والمختَلِف, المؤلف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني (المتوفى: 385هـ), تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر , الناشر: دار الغرب الإسلامي – بيروت الطبعة: الأولى، 1406هـ   .
10-        تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري, المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ), الناشر: دار التراث – بيروت, الطبعة: الثانية - 1387 هـ   .
11-        تاريخ خليفة بن خياط, المؤلف: أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة الشيباني العصفري البصري (المتوفى: 240هـ), تحقيق . أكرم ضياء العمري, الناشر: دار القلم , مؤسسة الرسالة - دمشق , بيروت, الطبعة: الثانية، 1397هـ.
12-         تهذيب الأسماء واللغات, المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) ,الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
13-        جمهرة اللغة المؤلف: أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (المتوفى: 321هـ) المحقق: رمزي منير بعلبكي . الناشر: دار العلم , بيروت, الطبعة: الأولى، 1987م  .
14-        روضة الطالبين وعمدة المفتين, المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ), تحقيق: زهير الشاويش, الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت- دمشق- عمان, الطبعة: الثالثة، 1412هـ   .


15-           سير أعلام النبلاء, المؤلف : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى : 748هـ), المحقق : مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط, الناشر : مؤسسة الرسالة, الطبعة : الثالثة ، 1405 هـ  .
16-        )   لسان العرب, المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ), الناشر: دار صادر – بيروت, الطبعة: الثالثة - 1414 هـ  .
17-        مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع, المؤلف: عبد المؤمن بن عبد الحق، ابن شمائل القطيعي البغدادي، الحنبلي، صفيّ الدين (المتوفى: 739هـ), الناشر: دار الجيل، بيروت, الطبعة: الأولى، 1412هـ  .
18-        معجم البلدان, المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي (المتوفى: 626هـ), الناشر: دار صادر، بيروت, الطبعة: الثانية، 1995م
19-        مناهج البحث العلمي – مفهومه، أدواته، أساليبه تأليف: د. ذوقان عبيدات ود. عبد الرحمن عدس ود. كايد عبد الحق, نشر: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع عمان، الأردن .











تم بحمد الله